Friday, January 11, 2008

عنوة

ذهبنا في رحلة مع الاصدقاء من القسم في الجامعه، كانت الرحله ككل الرحلات والكل سعيد، أما انا فلم اكن سعيدا في كثير من الاوقات بسبب مجموعة من الزملاء لم اكن احبهم. وفي اليوم قبل الأخير قال المسئول: عليكم ان تختاروا اما ان تذهبوا الي شرم الشيخ او ان تقضوا ليلة في الصحراء. ولحسن حظي ذهب كل من لا احبهم الي شرم الشيخ وبقيت مجموعة من الاصدقاء والمعارف تحلو لي صحبتهم.
ذهبنا جميعا في العربات المخصوصه، اخذ السائق الماهر يقودنا في دروب الصحراء الوعره، كان الوقت في الغسق والشمس تميل الي الغروب، ابتعدنا شيئا فشيئا عن الطريق الاسفلتي، وابتلعتنا الصحراء، سكت الجميع لرهبة الموقف او للاجهاد، كدت اسمع بعض الاصدقاء يقول لنفسه ليتنا ذهبنا الي شرم الشيخ. نظرت خارج العربه والظلام يزحف رتيبا غير مهتم بأي اعتراض. غرقت في الافكار، الجبال الشامخه يعلوها الظلام تجبرك علي التفكير، وميض افكار متضاربه وغير منتظمه يمر امامك، هنا يأتي الظلام كل ليلة وتقف الجبال كل ليلة ولا يتغير في الأمر شئ منذ الاف السنين. بعيدا عن المدن تبدو الطبيعة قوية ومسيطره، بعيداً عن المدن لا تملك الا ان تفكر في العمر الحقيقي للأشياء.
توقفت العربه ونزل الجميع، واخذ السائق وتابعه ينظمان المكان بهمه. نظر الجميع حوله، بدا المكان فقيرا لا يستطيع ان يقدم الكثير، سيطرت خيبة الأمل علي بعض الزملاء، بينما بدا الاخرون مصرين علي الاستمتاع بالتجربة الجديدة، اما انا فكنت سعيدا ان ابتعد عن هؤلاء الذين ذهبوا الي المدينه.
انتهي السائق من اعداد المكان وايقاد النار وجلس مع تابعه ليغلي الماء لتقديم الشاي. نظرنا الي بعضنا البعض متسائلين عن المفروض عمله الان. لم نكن نعرف بعض جيدا، وكل من تعودنا ان يقوم بدور القائد أثناء الرحلة ذهب مع المجموعة الي شرم الشيخ. حتي البنات الجميلات ذهبن الي شرم الشيخ، ولم يبقي الا المحجبات وصاحبات الصوت المنخفض. حتي البنت الأكثر جاذبية في الرحلة ذهبت مع الاخرين، اعترف اني كنت منجذب لها ولكني لم أكن مستعد ان اتحمل ايا ممن ذهبوا الي هناك دقيقه واحدة اكثر، وفي الحقيقه كنت اريد ان ارتاح من تحدي ان اكون جذابا وممتعا ومضحكا ومتفوقا علي الاخرين امامها.
بدأ الزملاء في الجلوس واحدا تلو الاخر، ودار الشاي علي الجميع، لا أعرف هل هي اسطورة ام ان شاي الفحم فعلا الذ طعما من الشاي العادي ابو فتله. فكرت في هذه المسأله وانا أمسك كوب الشاي بيداي الأثنين ملتمسا الدفء منه او اكثر دقة، مستسلما لتراث طويل من شرب شاي الفحم. بينما انا غارق في الأفكار التافهه، كان الناس من حولي قد بدأوا يتحدثون. تساءل احدهم وكان يعرف جيدا ما يدور في اذهان الجميع، "ياتري الناس في شرم الشيخ بيعملوا ايه دلوقتي"، نظر احد خائبي الأمل بيأس قائلا "ارجوك تكلم في أي شئ اخر، حد يسيب شرم الشيخ عشان يجي الصحرا ده!" رد احد المصرين علي الاستمتاع وقد احس أن خيبة الأمل قد تقضي علي اخر فرصه لكي نستمتع مع بعضنا البعض "يا جماعه متقلوش كده .. احنا هنقضي ليله جميله ان شاء الله .. حد عنده نكته" لم يجب احد، ولكن لأن كل من تعود ان يقوم بدور القائد ويسيطر علي مجريات الكلام كان قد ذهب الي شرم الشيخ، تشجع احد الحاضرين وقال "طب خلاص انا هقول نكته" بالطبع كانت نكتة سخيفه، لأن هذه هي عادة النكات الاولي دائما. الا ان الناس تلقت النكته بصدر رحب، بل أن احدهم قال بعض كلمات التشجيع، وسرعان ما تدفق سيل النكات، حتي من البنات المحجبات وصاحبات الصوت المنخفض، لم يهتم احد كيف سيتلقي الناس نكتته لأن البنت الأكثر جاذبيه غير موجوده ولأن كل من تعود ان يقوم بدور القائد قد اختفي. غرق الناس في الحديث وغرقت معهم في الضحك، لم يشعر أي احد منا بتحدٍ أو بحاجته لأن يثبت انه اخف ظلا من الاخرين، كنا جميعا قد اصبحنا مصرين ان نستمتع بالتجربة الجديدة. وسرعان ما اختفي احساس الاصرار علي المتعة وحلت محله متعة حقيقيه انستنا المكان واي احساس بالوقت. قال احدهم للسائق وكان مخلصا "ما تخش معانا في الكلام يا عم" كانت روح جميله تنبعث من الجميع حتي انه اصبح من الواجب ان يكون الجميع سعداء. انسنا بالمكان رغم انه موحش، وشاركنا في الحديث رغم اننا لا نعرف بعضنا، وضحكنا من القلب. قال قائل "انظروا الي النجوم .." جال الجميع بنظره الي اعلي كانت النجوم تتلألأ أكثر اشراقا من أيه نجوم اخري، نظرت الي الوجوه المتطلعه الي السماء في وجوم، والنار تلقي اضاءة راقصة علي اعناقهم، بدو لي جميعا بشرا عاديين. سلمت بحقهم في أن يرددوا العبارات المحفوظه في هذا الموقف عن جمال الصحراء والهدوء واختلاف نجوم الصحراء عن نجوم المدينة، بل تمادي احدهم بأن استنشق الهواء بصوت مسموع ليلفت نظرنا الي نقاوة الهواء بالمقارنه بجو المدينة الخانق. لسبب ما لم استنكر هذا السيل من التعليقات المغرقه في التكرار، خاصة انني لم اجد أي جديد لأضيفه. أمتلأت بشعوربالرضا لا أعرف مصدره، وبينما تعلو وجهي ابستامة حالمه قال السائق: "معي عود وطبله في العربيه حد بيعرف يعزف عود" لم اصدق اذني وكدت اؤمن بالمعجزات
اخذت العود وعزفت بعض النغمات السريعه المضمونة التأثير لكي اثبت جدارتي للجميع، نظرت اليهم متسائلا: "حد بيعرف يغني اعطني الناي" اجابت احدي صاحبات الصوت المنخفض وقد عبرت الجسر بين الحياء والالفة: انا هغنيها، كان صوتها رقيقا عذبا، اخدنا نغني ونغني، أنطلقت أعزف كأن روحا تملكتني، و سالت النشوه في المكان كأنها نهر يتدفق بغير رجعه، وصرنا علي هذا الحال حتي مطلع الفجر، غنينا كل الاغنيات حتي نشيد بلادي بلادي. ورغم انني كنت العازف الا ان احدا لم يتوجني قائدا علي المجموعه، لم يكن علي أي احد فينا أن يكتم ما يريد ان يقوله لأنه ليس مهما بالقدر الكافي. كانت الروح في المكان انقي من ان تقبل بقائد حتي ولو كان عازف العود.
وعندما بدأ النور يجتاح المكان وبدأت قمم الجبال تظهر في الافق ويلسع برد الفجر وجوهنا قال السائق: "هيا بنا علينا ان نعود"، نظرنا الي بعضنا كأننا نستيقظ من حلم، قال احد الزملاء معاندا "علينا أن نأتي هنا غدا، انا استطيع أن اقنع المسئول ان يمد الرحله يوما اخر" اجبته وانا لا أعرف اذا كنت اتكلم بصوت مسموع ام اتحث لنفسي: " واهم من يعتقد انه يستطيع ان يحلب المتعة من الحياه، المتعة لا تأتي عنوة بل هي هبة من الرحمن"
-----------------------
#####################

No comments: